زوايا حالكة

[نسيم الغروب]

مساء الخير
لا اعرف كيف كتبت ما كتبت وبعد ان قرأتها وجدتها بسيطة
لكن تلك الفتاة الصغيرة المفعمة بالامل رغم اعاقتها تنير ابتسامتها قبل الشمس وهي لاترى فرق بينها وبين طالبات المدرسة الاخريات وهي تمضي بكرسيها بأتجاه مدرستها ... أشعرتني كم أني تافهة بأحزاني وآلامي ويأسي .. هي تتحلى بالأمل وتنظر الى المستقبل بينما نحن نتشبث بالماضي ونعود لتلك الزوايا مراراً وتكراراً
فهذه لكِ يا شعلة الأمل .

** زوايا حالكة **

سكبتُ محبرتي

وأغرقت كلمتي

وبعدها

أحرقت صفحاتي

وأطفأتها بدمعاتي

فيا قارئ حرفي

لا تعجب لقدري

لم يبقى شيء من عمري

سكنت في قصر من حزني

وغرقت ُ في نهراً من دمعي

تهت في غابات من ألمي

حتى بَعُد عني كفني

وضاع عني قبري

(عذراً لكل من قرأ لي كلمة من قبل وكل من شجعني لاستمر في هذا الطريق .. هذه ستكون آخر الكلمات لان اليأس استبد بي والألم استحل قلبي فلم يعد قادراً أن يعزف على أوتار القصائد أو يحلق معكم في عالم اصنعه من أحاسيسي ومما يدور حولي لتكون قصة تختتمون بها أسبوعكم فلم يتبقى إلا الحزن وليس لي الحق أن أغرقكم معي في مستنقع آلامي ).

كانت خاتمة وضعتها كاتبة حلق معها الأمل لكن تلك الأجنحة احترقت بنار اليأس , قررت أن يكون وداعها لقرائها حتى تنزوي بزاويتها الحالكة

......................

صباح أخر .. هاهي الشمس تشرق كل يوم .. تنشر ضيائها كل يوم دون كل أو ملل حتى لو تذمر البشر من حرارتها ومن ضيائها القوي فهي رغم ذلك تطل ببهائها وقوتها .
لابد أن أبقى مثل الشمس أقاوم كل يوم من أجل مستقبلي وكي أحقق أكبر أحلامي ولا أترك أي شيء يقف عقبة في طريقي ويمنعني من الوصول إلى هدفي ..
أيها المنزل الموحش يبدو أنك وجدت من يؤنس وحشتك ويسامرك في لياليك ويضيء تلك الغرف المظلمة بنور الحياة ويشتت السكون القاتل بضحكات أفراحهم و حكايات يومهم .... كان صباح آخر كباقي الأيام كما ظننت لكنه كان البداية لان استعيد جزءاً بثقتي بمن حولي .

...............

البداية كانت مع شمس خبأت ضيائها عمن حولها وأبدلتها بضباب من الحزن , ابنة الجيران الجدد الذين ذهبنا لزيارتهم أول مرة بدءاً بالأم التي رغم الابتسامة على وجهها لكن هنالك الكثير والكثير من الألم الذي استحل ملامحها الجميلة دون شفقة أو رحمة , ذهبت قليلاً لنسمع صراخ تلك الفتاة على والدتها وهي ترفض أن ترى أحد بصوت يقطر مرارة وبنبرة ترجي تطلب منها أن يتركوها تعيش في عالمها كيفما تشاء .
بعد ذلك الصراخ عادت الأم بحزن أكبر من الذي خط على محياها وأظهرها بعمر يفوق عمرها وكأن جبال من الهم ربضت فوق ظهرها وهي تعتذر عن سلوك ابنتها وما سمعناه قبل قليل
- لم تكن ابد هكذا كانت تحب الحياة وتعشق التعرف على أناس جدد وتستمع بحكاياتهم ولكن منذ أن أصيبت برصاصة الاحتلال في عمودها الفقري بعد إن كانت عائدة من جامعتها و أصبحت حبيسة الكرسي كما هي حبيسة أحزانها وآلامها حتى أنها من طلبت منا الانتقال إلى هذه المنطقة كي لا تلتقي بأي من معارفها أو معارفنا .
- لا تقلقي نحن نقدر ظروفها وليس من السهل أن تتأقلم بسهولة مع ما أصابها .. أجابت بوالدتي بتعاطف
إذا الظلام نشر أجنحته على هذه الفتاة وأخذها إلى طريق ليس باختيارها لكني لن ادعها تصل إلى ذلك المفترق لتختار الظلام بدلاً من النور .

(صديقتي التي لم أعرفها بعد

اسمحِ لي أن أقول لكِ صديقتي لاني متأكدة أننا سنكون صديقات .. ليس غروراً إنما ثقة من إنسانة ظنت إن الحياة توقفت وبيدها أن تتحكم بنهايتها وتتخذ من العزلة والانطواء ملجأ لها لكن اكتشفت قبل فوات الأوان إن الحياة لن تتوقف إن أرادات ذلك .. كل شيء يسير حسب ما هو مقدر له شئنا أم أبينا .
لا أدعي إن ما مررتُ بهِ مشابه لما تمرين به لان تجربتك صعبة على أي إنسان أن يتقبلها لكن بداخل كل إنسان قوة خفية تمده بالقدرة على الاستمرار .
أرجو أن لا أكون أزعجتك لكن لن أتوقف حتى تقرري مواجهتي .

إلى اللقاء )

تظن أنها تعرف ما أعانيه , كلهم يقولون ذلك يظنون انه من السهل أن أبدا حياة جديدة .. كل شيء مضى وليس هنالك أمل بعودته .. مزقت تلك الورقة بعد إن وجدتها على حافة شباك غرفتها لتستقر داخل سلة المهملات .
هذه هي الطريقة التي دأبت عليها سلسبيل كل يوم تضع لها رسالة وأحيانا زهوراً بيضاء وتطرق الشباك وتختبئ في مكان لا تراه شمس .. تريد أن تشوقها وان تستدرج غضبها حتى تخرج من صومعتها بتلك الحكايا عن نفسها وعن يومها وعمن يحيطون بها بأسلوب ظريف واحياناً جدي .. هكذا كان الأمر بعد إن استأذنت من والدي شمس .

(شمس الشموس

اليوم جعلت الكل يعترف بحقيقة إني أكثرهم ذكاءاً وإصرارا بعد إن كانوا يسخرون مني .. لا اكذب عليكِ أن قلت إني أرى الكثير من الكره في عيونهم لا اعرف من منا حقاً يجب أن يكره الأخر .. لم افعل لهم شيء ولكنهم مصرين إني لا ارتقي لهم وخصوصاً أولئك الحمقى فبرغم جمال فتيات ووسامة شباب تلك المجموعة ألا أنهم يملكون من الغباء والغرور والإهمال مايؤهلهم كي يكونوا ملوك على جزيرة تكون فقط لأولئك الذين لا يرون ابعد من انفهم .
وملكة الحقد كانت اليوم تتمشى بكعب عالي لا يكاد يرى في الحديقة بعد أن تم سقيها فانغرس في الأرض وانخلع من قدمها فانكفأت على وجهها في مكان مليء بالطين وتخيلي أنتِ ذلك الموقف ..
لا أتشمت بها ولكنها اليوم جرحتني بقوة وخدشت الأنثى التي في داخلي .
حسناً سأذهب الآن

إلى الملتقى )

ألا تمل تلك الفتاة من رسائلها ..لكن صدقاً لم اضحك هكذا منذ فترة طويلة , فيها براءة وعفوية وفي نفس الوقت قوة يبدو أني أدمنت تلك الرسائل القصيرة , اشعر أنها كصلتي بالعالم الخارجي .
هذه حال شمس بعد أن توقفت عن تمزيق رسائل سلسبيل وصنعت منها دفتر مذكرات كل يوم تضيف له رسالة أخرى وأحيانا تعيد قراءتها مرة أخرى وتلك الضحكة التي هجرتها عادت لترن من جديد وتنير حياة والديها .

وعكة صحية أصابت سلسبيل أرغمتها أن تتوقف عن رسائلها لشمس , تلك الأخيرة أصبحت كل يوم تترقب لكن لاشيء حتى طلبت من والدتها أن تذهب وتسأل عن سلسبيل دون أن تذكر أنها أرادت ذلك .. لم تعرف أن والدتها ووالدها يعرفان بكل شيء .
في نفس الوقت أدركت سلسبيل إنها توصلت إلى الخطوة الأخيرة دون أن تدري , لأنها إن استمرت برسائلها ستجد شمس فيها العزاء وتستمر في عزلتها وبذلك توقفت نهائياً

....

أين هي لماذا لم ترسل شيء .. أنا اعرف أنها شفيت وعادت لجامعتها إلا تعرف بأن كلماتها هي زادي كي اصبر على ما أمر به أم أنها ملت مني وهي لا ترى أي تجاوب مني .. يا الهي ساعدني لا أريد الخروج من هنا وأخشى رؤية أي احد لكن سلسبيل تختلف عنهم .. صحيح أنا لا اعرف بأي كلية هي ولماذا الباقين يستهزئون بها .. كم أنا ناكرة للجميل هي تساعدني وتسليني ولكن هي من يساعدها ويعطيها الصبر لتواجه كل ما تتعرض لهُ من مضايقات .

...............

(أصبحت أكثر هدءواً لكنها شاردة طوال الوقت كأنها تفكر بشي ازداد خوفي عليها ) هذا ما سمعت والدة شمس تخبر به أمي .. سأرى إلى أين تصل بتفكيرها تلك العنيدة
يبدو أن انتظاري لم يطول ووالدتها تدعوني لزيارة شمس
فعلاً هي شمس صدق من أعطاها هذا الاسم .. جميلة رقيقة هادئة .. ملامح جذابة .. عينان بلون الذهب ناعستان لكنهما حزينتان وعلى ملامحها الكثير من الألم.

ناعمة تشبه الدمي في تفاصيل جسدها فيها الكثير من الطفولة .. سعادة تشع من وجهها .. ابتسامتها مليئة بالحياة .. عينان واسعتان تشعان قوة بلون اسود رغم إنهما يختبئان بخجل خلف نظارتها لكن ذلك الجرح.
- مساء الخير
- مساء النور
عم الصمت وكل واحد منهما تفكر بما ستقوله وكيف سيبدأ الحوار .. شمس ابتعدت فترة عن ملاقاة الناس حتى أصبحت مترددة فيما ستقوله وسلسبيل تحاول أن تنتقي كلمات مناسبة حتى لا تكشف كل أوراقها منذ اللقاء الأول وتجعل الأخرى تتحمس للقائها مرة أخرى .
- هذا المنزل أصبح أكثر جمالاً مما كان أصبح فيه الكثير من الدفء
- نعم أمي تصر أن تختار كل شيء بعد أن تشعر معه بالألفة
- كيف تقضين وقتكِ ؟
- لا افعل شيء كل وقتي فراغ
- وماذا عن دراستكِ ؟
- تركتها بعد أن أصبحت حبيسة هذا الكرسي
- ماذا كنتِ تدرسين قبل ذلك
- اللغة العربية .. وماذا عنكِ ؟
- أدرس القانون
- متأكدة ستكونين محامية لامعة لأنك ذكية وقوية ولا تتنازلين عن هدفكِ بسهولة
- أتمنى ذلك .. أخبرتني والدتكِ انكِ كنتِ تكتبين في أحدى المجلات
- نعم كل أسبوع انشر قصة أو قصيدة
- حسناً .. ما رأيكِ أن تزورينا او نخرج لمكان ما في المرة القادمة
- لا .. اقصد لا أستطيع .. بخوف تمسكت بمسندي الكرسي
- لا تقلقي المتنزه قريب وليس هنالك فيه الكثير من الناس .. أعدك إنني لن أجبرك أن تبقي إن لم يعجبكِ المكان
- حسناً .. ولكن لوقت قصير لن نطيل البقاء كثيراً
- إذا اتفقنا نذهب يوم الخميس عصراً .. سأذهب الآن
- أرجوك ابقي قليلاً
- لا تقلقي ستملين مني في الأيام القادمة حتى تطلبي رحيلي .. إلى اللقاء
- إلى اللقاء

.....